فصل: الحديث العشْرُونَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث التَّاسِع عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن الِاسْتِنْجَاء بالعظم، وَقَالَ: إِنَّه زَاد إخْوَانكُمْ من الْجِنّ».
أما النَّهْي عَن الِاسْتِنْجَاء بالعظم فَصَحِيح، رَوَاهُ جماعات من الصَّحَابَة، مِنْهُم: أَبُو هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه فِي هَذَا الْبَاب من رِوَايَة يَحْيَى بن سعيد عَنهُ قَالَ: «اتبعت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَخرج لِحَاجَتِهِ، فَكَانَ لَا يلْتَفت، فدنوت مِنْهُ فَقَالَ: أبغني أحجارًا أستنفض بهَا أَو نَحوه، وَلَا تأتني بِعظم وَلَا رَوْث. فَأَتَيْته بأحجار بِطرف ثِيَابِي فَوَضَعتهَا إِلَى جنبه وأعرضت عَنهُ، فَلَمَّا قَضَى حَاجته اتبعته بِهن». زَاد فِي بَاب ذكر الْجِنّ: «فَقلت: مَا بَال الْعظم والروثة؟ فَقَالَ: هما من طَعَام الْجِنّ، وَإنَّهُ أَتَانِي وَفد جن نَصِيبين- وَنعم الْجِنّ- فسألوني الزَّاد، فدعوت الله- عَزَّ وجَلَّ- أَن لَا يمروا بِعظم وَلَا بروثة إِلَّا وجدوا عَلَيْهَا طَعَاما».
قَالَ أَبُو عبد الله الْقَزاز فِي تَفْسِير غَرِيب البُخَارِيّ: هَكَذَا رُوِيَ «استنفض» كَأَنَّهُ أستفعل من النفض وَهُوَ أَن يهز الشَّيْء ليطرد غباره أَو يَزُول مَا عَلَيْهِ وَهَذَا مَوضِع أستنظف بهَا، أَي: أنظف نَفسِي بهَا من الْحَدث، وَلَكِن هَكَذَا رُوِيَ.
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه جَامع المسانيد: انْفَرد بِإِخْرَاجِهِ البُخَارِيّ، وَمَعْنى أستنفض بهَا أزيل بهَا عني الْأَذَى.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: ورأيته: أستنظف فِي غير كتاب البُخَارِيّ.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة أبي حَازِم، عَن أبي هُرَيْرَة «أَن رَسُول الله نهَى أَن يستنجى بروث أَو عظم، وَقَالَ: إنَّهُمَا لَا تطهران». قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِسْنَاده صَحِيح.
قلت: فِي سَنَده سَلمَة بن رَجَاء، قَالَ يَحْيَى بن معِين: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ ابْن عدي: حدث بِأَحَادِيث لَا يُتَابع عَلَيْهَا. وذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات وَرَوَى لَهُ البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح وَفِيه أَيْضا يَعْقُوب بن كاسب، قيل: رَوَى عَنهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه أَيْضا وَلم ينْسبهُ. وَقَالَ يَحْيَى وَالنَّسَائِيّ: لَيْسَ بِشَيْء. وَوَثَّقَهُ يَحْيَى مرّة.
وَمِنْهُم: عبد الله بن مَسْعُود رَضي اللهُ عَنهُ رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه عَنهُ من حَدِيث طَوِيل، وَفِيه: «وسألوه- يَعْنِي الْجِنّ- الزَّاد، فَقَالَ: لكم كل عظم ذكر اسْم الله عَلَيْهِ يَقع فِي أَيْدِيكُم أوفر مَا يكون لَحْمًا، وكل بَعرَة علف لدوابكم. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَلَا تستنجوا بهما فَإِنَّهُمَا طَعَام إخْوَانكُمْ».
وَوَقع فِي مُسْند إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه بدل «وَذكر اسْم الله»: «لم يذكر اسْم الله» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه عَنهُ قَالَ: «قدم وَفد الْجِنّ عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد، اِنْهَ أمتك أَن يستنجوا بِعظم أَو رَوْثَة أَو حُممة؛ فَإِن الله جعل لنا فِيهَا رزقا. فَنَهَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ أَيْضا وَقَالا: إِسْنَاده شَامي لَيْسَ بِثَابِت. وَقَالَ الْحَازِمِي: لَا يعرف مُتَّصِلا إِلَّا من حَدِيث الشاميين، وَهُوَ عَلَى شَرط أبي دَاوُد.
الحُمَمَة- بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الميمين مَعَ التَّخْفِيف- الفحم. وَيُقَال إِنَّه الرخو الَّذِي لَا يقْلع النَّجَاسَة.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سنَنه عَن أَحْمد بن عَمْرو بن السَّرْح، عَن ابْن وهب، عَن يُونُس، عَن ابْن شهَاب، عَن أبي عُثْمَان بن سنّة الْخُزَاعِيّ الدِّمَشْقِي، عَن ابْن مَسْعُود «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى أَن يَسْتَطِيب أحدكُم بِعظم أَو رَوْث».
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك فِي أَوَاخِر كتاب التَّفْسِير بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَإِسْنَاده لَا أعلم بِهِ بَأْسا.
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث مُوسَى بن عُلَي- بِضَم الْعين وَفتح اللَّام عَلَى الْمَعْرُوف- عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن مَسْعُود «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى أَن يستنجى بِعظم حَائِل أَو رَوْثَة أَو حممة» ثمَّ قَالَ: عَلّي بن رَبَاح لَا يثبت سَمَاعه من ابْن مَسْعُود.
وَأخرجه أَبُو نعيم فِي معرفَة الصَّحَابَة من حَدِيث حَرْمَلَة، ثَنَا ابْن وهب، عَن يُونُس، عَن الزُّهْرِيّ، عَن ابْن سنة الْخُزَاعِيّ أَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: «قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه وَهُوَ بِمَكَّة: من أحب مِنْكُم أَن يحضر اللَّيْلَة أَمر الْجِنّ فَلْيفْعَل...» ثمَّ ذكر الحَدِيث قَالَ: «فَأَعْطَاهُمْ عظما وَرَوْثًا زادًا، ثمَّ نهَى رَسُول أَن يَسْتَطِيب أحد بِعظم أَو رَوْث».
ثمَّ قَالَ ابْن مَنْدَه: هَذَا هُوَ الْمَشْهُور، وَرُوِيَ بِإِسْقَاط ابْن مَسْعُود، ذكره أَبُو نعيم فِي تَرْجَمَة أبي عُثْمَان بن سنة الْخُزَاعِيّ الصَّحَابِيّ.
وَمِنْهُم: سلمَان رَضي اللهُ عَنهُ رَوَاهُ مُسلم، وَسَيَأْتِي قَرِيبا حَيْثُ ذكره المُصَنّف.
وَمِنْهُم: جَابر بن عبد الله- رَضي اللهُ عَنهُ- رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث زَكَرِيَّا بن إِسْحَاق، نَا أَبُو الزبير أَنه سمع جَابر بن عبد الله يَقُول: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نتمسح بِعظم أَو ببعر».
وَمِنْهُم: رويفع بن ثَابت رَضي اللهُ عَنهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ بِإِسْنَاد جيد عَنهُ قَالَ: «قَالَ لي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا رويفع، لَعَلَّ الْحَيَاة ستطول بك بعدِي، فَأخْبر النَّاس أَن من عقد لحيته أَو تقلد وترا أَو استنجى برجيع دَابَّة أَو عظم؛ فَإِن مُحَمَّدًا بَرِيء مِنْهُ».
قَالَ صَاحب الدَّلَائِل فِي غَرِيب الحَدِيث بعد رِوَايَته لَهُ: هَكَذَا فِي الحَدِيث «من عقد لحيته» وَصَوَابه- وَالله أعلم-: «من عقد لحاء» من قَوْلك لحيت الشّجر إِذا قشرته، وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يعقدون لحاء الْحرم فيقلدونه فِي أَعْنَاقهم فيأمنون بذلك، وَهُوَ قَول الله- تَعَالَى-: {لَا تحلوا شَعَائِر الله وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهَدْي وَلَا القلائد} فَلَمَّا أظهر الله الْإِسْلَام نهَى عَن ذَلِك. قَالَ السّديّ: شَعَائِر الله: حرم الله. وَأما الْهَدْي والقلائد؛ فَإِن الْعَرَب كَانُوا يقلدون من لحاء الشّجر- شجر مَكَّة- فيقيم الرجل بِمَكَّة حَتَّى إِذا انفضت الْأَشْهر الْحرم وَأَرَادَ أَن يرجع إِلَى أَهله قلد نَفسه وناقته من لحاء الشّجر، فَيَأْمَن حَتَّى يَأْتِي أَهله.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: وَمَا أشبه مَا قَالَه بِالصَّوَابِ، لَكِن لم نره فِيمَا وقفنا عَلَيْهِ فِي رِوَايَة.
وَمِنْهُم: سهل بن حنيف رَضي اللهُ عَنهُ رَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي مُسْنده عَن أبي عَاصِم، عَن ابْن جريج، عَن عبد الْكَرِيم- وَهُوَ ابْن أبي الْمخَارِق- عَن الْوَلِيد بن مَالك، عَن عبد الْقَيْس، عَن مُحَمَّد بن قيس مولَى سهل بن حنيف، عَن سهل بن حنيف أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: «أَنْت رَسُولي إِلَى أهل مَكَّة، فَقل: إِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ عَلَيْكُم السَّلَام، ويأمركم أَن لَا تستنجوا بِعظم وَلَا ببعر». قَالَ أَبُو عَاصِم مرّة: و«يَنْهَاكُم» أَو «يَأْمُركُمْ».
وَأخرجه أَحْمد فِي الْمسند عَن عبد الرَّزَّاق، أَنا ابْن جريج، نَا عبد الْكَرِيم بن أبي الْمخَارِق أَن الْوَلِيد بن مَالك أخبرهُ أَن مُحَمَّد بن قيس.... فَذكر الحَدِيث إِلَّا أَنه قَالَ: «يَأْمُركُمْ بِثَلَاث: لَا تحلفُوا بِغَيْر الله، وَإِذا تخليتم فَلَا تستقبلوا الْقبْلَة وَلَا تستدبروها وَلَا تستنجوا بِعظم وَلَا ببعرة».
وَمِنْهُم رجل من أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه عَن مُوسَى بن أبي إِسْحَاق الْأنْصَارِيّ، عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن، عَن رجل من أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْأَنْصَار أخبرهُ عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَنه نهَى أَن يَسْتَطِيب أحد بِعظم أَو رَوْث أَو جلد».
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِسْنَاده غير ثَابت. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَسَببه جَهَالَة مُوسَى وَعبد الله.
وَأما قَول الإِمَام الرَّافِعِيّ وَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِن الْعظم زَاد إخْوَانكُمْ من الْجِنّ» فَصَحِيح أَيْضا رَوَى مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث الشّعبِيّ، عَن عَلْقَمَة، عَن ابْن مَسْعُود، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث طَوِيل قَالَ فِي آخِره: وَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا تستنجوا بالعظم والبعر؛ فَإِنَّهُمَا طَعَام إخْوَانكُمْ- يَعْنِي: من الْجِنّ» كَمَا تقدم. ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق آخر، وَلم يذكر هَذِه الزِّيَادَة فِيهِ، وَرَوَاهُ من طَرِيق ثَالِث عَن دَاوُد بن أبي هِنْد، عَن الشّعبِيّ وَلم يذكر هَذِه الزِّيَادَة ثمَّ قَالَ: قَالَ الشّعبِيّ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا تستنجوا بالعظم والبعر».
قَالَ التِّرْمِذِيّ: كَأَن هَذِه الرِّوَايَة أصح- يَعْنِي: فَيكون مُرْسلا- قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: لَا نوافق التِّرْمِذِيّ عَلَى ذَلِك؛ بل الْمُخْتَار أَن هَذِه الزِّيَادَة مُتَّصِلَة.
قلت: وَقد حكم أَيْضا أَبُو حَاتِم بن حبَان للطريقة الموصولة بِالصِّحَّةِ فَإِنَّهُ أخرجهَا فِي صَحِيحه بالطريقة الأولَى الَّتِي ذكرهَا مُسلم، ولفظها إِلَّا أَنه قَالَ: «زَاد» بدل «طَعَام» وَالْمعْنَى وَاحِد.
وَفِي تَلْخِيص الْخَطِيب من حَدِيث يَحْيَى بن عبد الله بن بكير، أَنا ابْن لَهِيعَة عَن أَحْمد بن خازم- بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة- عَن صَالح مولَى التوءمة، عَن ابْن عَبَّاس، عَن ابْن مَسْعُود، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «أَنه جعل زَاد الْجِنّ الروث وَالْعِظَام، لَا يَمرونَ عَلَى شَيْء مِنْهُ إِلَّا وجدوه لَحْمًا طريًّا».
وَفِي الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير من حَدِيث بَقِيَّة، نَا نمير بن يزِيد، نَا أبي، ثَنَا قُحَافَة بن ربيعَة، ثَنَا الزبير بن الْعَوام مَرْفُوعا- فِي حَدِيث طَوِيل فِيهِ-: «أُولَئِكَ- يَعْنِي: الْجِنّ- من وَفد نَصِيبين سَأَلُونِي الزَّاد، فَجعلت لَهُم كل عظم وروثة. قَالَ الزبير: فَلَا يحل لأحد أَن يستنجي بِعظم وَلَا رَوْثَة أبدا».
وَفِيه أَيْضا من حَدِيث مُوسَى بن عُبَيْدَة الربذي عَن سعيد بن الْحَارِث، عَن أبي الْمُعَلَّى، عَن عبد الله بن مَسْعُود «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لجن نَصِيبين: لكم الرجيع وَمَا أتيتم عَلَيْهِ من عظم فلكم عَلَيْهِ لَحْمًا وَمَا أتيتم عَلَيْهِ من رَوْث فَهُوَ لكم تَمرا».

.الحديث العشْرُونَ:

رُوِيَ أَنه قَالَ: «إِذا جلس أحدكُم لِحَاجَتِهِ فليمسح ثَلَاث مسحات».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد بن حَنْبَل فِي مُسْنده عَن حسن بن الأشيب، عَن ابْن لَهِيعَة، نَا أَبُو الزبير، عَن جَابر قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «إِذا تغوط أحدكُم فليمسح ثَلَاث مَرَّات، وَنَهَى أَن يستنجى ببعرة أَو عظم» ابْن لَهِيعَة قد علمت حَالَته.
وَرَوَاهُ جماعات بِمَعْنَاهُ كَحَدِيث عَائِشَة الْمُتَقَدّم: «إِذا ذهب أحدكُم إِلَى الْغَائِط فليذهب مَعَه بِثَلَاث أَحْجَار يَسْتَطِيب بِهن» وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَذْكُور فِي أول الْبَاب: «وليمسح بِثَلَاثَة أَحْجَار» وَحَدِيثه السَّابِق أَيْضا: «كَانَ يَأْمُرنَا بِثَلَاثَة أَحْجَار» وَحَدِيث سلمَان وَسَهل بن سعد السَّاعِدِيّ الآتيين قَرِيبا، وَحَدِيث خُزَيْمَة الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن الاستطابة فَقَالَ: بِثَلَاثَة أَحْجَار». وَحَدِيث خَلاد أَنه سمع النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «إِذا تغوط أحدكُم فليستجمر ثَلَاثًا» رَوَاهُ ابْن قَانِع فِي مُعْجم الصَّحَابَة وَقَالَ: خَلاد هَذَا أَحْسبهُ ابْن رَافع بن مَالك أَخُو رِفَاعَة بن رَافع الْأنْصَارِيّ.
وَرَوَى هَذَا الحَدِيث الْخَطِيب فِي كِتَابه موضح أَوْهَام الْجمع والتفريق بِخَطِّهِ، لَكِن من حَدِيث خَلاد الْجُهَنِيّ، عَن أَبِيه السَّائِب أَن نَبِي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا دخل أحدكُم الْخَلَاء فليتمسح بِثَلَاثَة أَحْجَار» وَهُوَ فِي «جمع من رَوَى عَنهُ ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ وَمن رَوَى عَن الزُّهْرِيّ» للنسائي من حَدِيث أبي غَسَّان مُحَمَّد بن يَحْيَى، أَخْبرنِي أبي، عَن ابْن أخي ابْن شهَاب عَن ابْن شهَاب قَالَ: أَخْبرنِي خَلاد بن السَّائِب أَن أَبَاهُ سمع النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا تغوط أحدكُم فليتمسح ثَلَاث مَرَّات».
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم وَابْن مَنْدَه وَابْن عبد الْبر كَذَلِك بِلَفْظ: «فليتمسح بِثَلَاثَة أَحْجَار».
وَفِي الْمُحَلَّى لِابْنِ حزم مَا نَصه: فَإِن ذكرُوا حَدِيثا رَوَاهُ ابْن أخي الزُّهْرِيّ مُسْندًا أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «إِذا تغوط أحدكُم فليمسح ثَلَاث مَرَّات» قيل: ابْن أخي الزُّهْرِيّ ضَعِيف، وَالَّذِي رَوَاهُ عَنهُ مُحَمَّد بن يَحْيَى الْكِنَانِي: مَجْهُول.
قلت: ابْن أخي الزُّهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن مُسلم، احْتج بِهِ أَصْحَاب الْكتب السِّتَّة وَوَثَّقَهُ الْأَئِمَّة. وَمَا ذكره ابْن حزم هُوَ إِحْدَى رِوَايَات أَرْبَعَة عَن ابْن معِين، رَوَاهُ الدَّارمِيّ عَنهُ. وَقَوله: وَالَّذِي رَوَاهُ عَنهُ مُحَمَّد بن يَحْيَى مَجْهُول. فَفِيهِ نظر من وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن مُحَمَّدًا يرويهِ عَن أَبِيه، عَن ابْن أخي الزُّهْرِيّ كَذَا رَأَيْته وَلم أر أحدا سَاقه من حَدِيث مُحَمَّد هَذَا عَن ابْن أخي الزُّهْرِيّ كَمَا هُوَ ظَاهر كَلَام ابْن حزم.
الثَّانِي: قَوْله فِي مُحَمَّد بن يَحْيَى: أَنه مَجْهُول. وَلَا أعلم لَهُ مُوَافقا.
مُحَمَّد هَذَا احْتج بِهِ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَوَثَّقَهُ ابْن حبَان، فَأخْرج عَنهُ حَدِيثا فِي صَحِيحه وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَرَوَى عَنهُ خلق وَهُوَ أَبُو غَسَّان مُحَمَّد بن يَحْيَى بن عَلّي.

.الحديث الحَادِي وَالْعشْرُونَ:

عَن سلمَان رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «أمرنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لَا نجتزئ بِأَقَلّ من ثَلَاثَة أَحْجَار».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح.
رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن يزِيد قَالَ: «قيل لسلمان الْفَارِسِي رَضي اللهُ عَنهُ: قد علمكُم نَبِيكُم كل شَيْء حَتَّى الخراءة! فَقَالَ: أجل؛ لقد نَهَانَا أَن نستقبل الْقبل بغائط أَو بَوْل، أَو أَن نستنجي بِالْيَمِينِ، أَو أَن نستنجي بِأَقَلّ من ثَلَاثَة أَحْجَار، أَو أَن نستنجي برجيع أَو عظم».
وَفِي رِوَايَة لَهُ قَالَ: «قَالَ لنا الْمُشْركُونَ: إنى أرَى صَاحبكُم يعلمكم حَتَّى يعلمكم الخراءة! فَقَالَ: أجل، إِنَّه نَهَانَا أَن يستنجي أَحَدنَا بِيَمِينِهِ، أَو يسْتَقْبل الْقبْلَة، وَنَهَى عَن الروث وَالْعِظَام، وَقَالَ: لَا يستنجي أحدكُم بِدُونِ ثَلَاثَة أَحْجَار».
وَمن الغلطات الْمَعْرُوفَة لِابْنِ حزم الظَّاهِرِيّ فِي هَذَا الحَدِيث أَنه عزاهُ إِلَى مُسلم بِلَفْظ: «لقد نَهَانَا أَن يستنجي أَحَدنَا بِيَمِينِهِ، أَو مُسْتَقْبل الْقبْلَة» كَذَا فِي كِتَابه مُسْتَقْبل الْقبْلَة بِالْمِيم، وَهَذَا لَا يُوجد فِي مُسلم، وَالَّذِي فِيهِ مَا سلف وَوَقع فِي شرح التَّنْبِيه للمحب الطَّبَرِيّ عزو حَدِيث سلمَان هَذَا إِلَى البُخَارِيّ، وَهُوَ وهم مِنْهُ.
فَائِدَة: الرجيع: الروث، والخراءة بِالْمدِّ، وَقَالَ القَاضِي عِيَاض فِي الْمَشَارِق: هِيَ لَهُنَّ جلْسَة التخلي لقَضَاء الْحَاجة أَو هُوَ صفة التَّنْظِيف مِنْهُ. قَالَ الْخطابِيّ فِي إصْلَاح الْأَلْفَاظ المصحفة: عوام الروَاة يفتحون الْخَاء؛ فيفحش مَعْنَاهُ، وَإِنَّمَا هُوَ الخِراءة- مكسور الْخَاء مَمْدُود الْألف- يُرِيد: الجلسة للتخلي، والتنظف مِنْهُ. وَقَالَ ابْن بري ردًّا عَلَى الْخطابِيّ: يُقَال: خرئ خِراءة وخُراءة وخروءًا وخرءًا.
وأَجَلْ- بِفَتْح الْهمزَة وَالْجِيم وَتَخْفِيف اللَّام مَعَ السّكُون- مَعْنَاهَا: نعم.
وسلمان رَضي اللهُ عَنهُ من فضلاء الصَّحَابَة، وعمّر عمرا طَويلا جدًّا، قَالَ النَّوَوِيّ فِي التَّهْذِيب: ونقلوا اتِّفَاق الْعلمَاء عَلَى أَنه عَاشَ مِائَتَيْنِ وَخمسين سنة، وَاخْتلفُوا فِي الزِّيَادَة عَلَيْهَا فَقيل: ثَلَاثمِائَة وَخمسين سنة، وَقيل: أَنه أدْرك وَحي عِيسَى ابْن مَرْيَم، وَهُوَ أول مكَاتب فِي الْإِسْلَام، قَالَه ابْن شعْبَان. وَقيل: ابْن مُؤَمل، حَكَاهُمَا ابْن الطلاع فِي أَحْكَامه قَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه: وإسلامه بِالْمَدِينَةِ أثبت من قَول من قَالَ إِنَّه بِمَكَّة.

.الحديث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن وَمن لَا فَلَا حرج».
هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ وَاضحا فِي أَوَائِل الْبَاب، وَهُوَ الحَدِيث الثَّانِي مِنْهُ.

.الحديث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «فليستنج بِثَلَاثَة أَحْجَار، لَيْسَ فِيهَا رجيع وَلَا عظم».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ جماعات بِمَعْنَاهُ وَقد تقدم بِطرقِهِ فِي الحَدِيث التَّاسِع عشر فِي أول الْبَاب، وَمِمَّا لم نقدمه- وَهُوَ بِمَعْنى هَذَا الحَدِيث- حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضي اللهُ عَنهُ وَقد رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَنهُ «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى الْغَائِط فَأمرنِي أَن آتيه بِثَلَاثَة أَحْجَار، فَوجدت حجرين والتمست الثَّالِث فَلم أَجِدهُ، فَأخذت رَوْثَة فَأَتَيْته بهَا فَأخذ الحجرين وَألقَى الروثة وَقَالَ: إِنَّهَا ركس».
وَفِي رِوَايَة للدارقطني وَغَيره «إِنَّهَا ركس، ائْتِنِي بِحجر» يَعْنِي: ثَالِثا. وَفِي رِوَايَة لَهُ أَيْضا: «ائْتِنِي بغَيْرهَا».
وَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ من طَرِيق أبي إِسْحَاق، عَن عَلْقَمَة وَقد سكت عَنْهَا الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي هَذَا الْبَاب، وَهِي مُنْقَطِعَة فِيمَا بَين أبي إِسْحَاق وعلقمة؛ فَإِنَّهُ لم يسمع مِنْهُ شَيْئا بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفسه بذلك. قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي مراسيله: قَالَ أبي وَأَبُو زرْعَة: لم يسمع من عَلْقَمَة شَيْئا قَالَ: وثنا أبي، نَا مُحَمَّد بن بشار، نَا أُميَّة بن خَالِد، نَا شُعْبَة: قَالَ رجل لأبي إِسْحَاق الهمذاني: شُعْبَة يَقُول: إِنَّك لم تسمع من عَلْقَمَة قَالَ: صدق.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي بَاب الدِّيَة أَخْمَاس: أَبُو إِسْحَاق عَن عَلْقَمَة مُنْقَطع؛ لِأَنَّهُ رَآهُ وَلم يسمع مِنْهُ. وَقَالَ أَحْمد بن عبد الله الْعجلِيّ: لم يسمع أَبُو إِسْحَاق من عَلْقَمَة شَيْئا.
قلت: لَكِن قَالَ الْكَرَابِيسِي فِي كتاب المدلسين: أَبُو إِسْحَاق يَقُول فِي هَذَا الحَدِيث: حَدثنِي عَلْقَمَة عَن عبد الله. فَهَذَا تَصْرِيح بِسَمَاع أبي إِسْحَاق من عَلْقَمَة، وَعَلَى تَقْدِير تَسْلِيم عدم السماع فَلَا حجَّة للخصم فِي الرِّوَايَة الأولَى؛ إِذْ يجوز أَن يكون أحد الحجرين لَهُ أحرف؛ فاستوفى بهَا الْعدَد، يدل عَلَى ذَلِك حَدِيث سلمَان الثَّانِي فِي النَّهْي عَن الِاكْتِفَاء بِدُونِ ثَلَاثَة أَحْجَار، وَقد ذكر ذَلِك الإِمَام الْخطابِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ.

.الحديث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ:

أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا استجمر أحدكُم فليستجمر وترا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: «من استجمر فليوتر» وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة جَابر رَضي اللهُ عَنهُ إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا: «ثَلَاثًا» بدل «وترا».
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: وَأخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه بِهَذَا اللَّفْظ. ورأيته أَنا بعد ذَلِك فِيهِ، وَرَوَاهُ مُسلم أَيْضا فِي صَحِيحه عَنهُ مَرْفُوعا، لَكِن لَفظه: «من استجمر فليوتر». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: الرِّوَايَة الأولَى تبين أَن المُرَاد بالإيتار فِي هَذِه الرِّوَايَة مَا زَاد عَلَى الْوَاحِد. وَهُوَ فِي مُسلم أَيْضا من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ ورَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد فِي حَدِيث وَاحِد، وَفِي جَامع التِّرْمِذِيّ وسنَن النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه عَن سَلمَة بن قيس مَرْفُوعا: «إِذا تَوَضَّأت فانثر، وَإِذا استجمرت فأوتر».
قَالَ التِّرْمِذِيّ: حسن صَحِيح. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: رجال إِسْنَاده ثِقَات.
قلت: لَا جرم أخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَفِي صحيحي ابْن حبَان وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «إِذا استجمر أحدكُم فليوتر؛ فَإِن الله وتر يحب الْوتر، أما ترَى السَّمَوَات سبعا وَالْأَرضين سبعا وَالطّواف سبعا...» وَذكر أَشْيَاء. قَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. قَالَ: لم يخرجَاهُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظ، إِنَّمَا اتفقَا عَلَى: «من استجمر فليوتر» فَقَط.
قلت: فِي طَرِيق الْحَاكِم: الْحَارِث بن أبي أُسَامَة- وَلَيْسَ بعمدة-
وَطَرِيق ابْن حبَان صَحِيحَة، وأخرجه كَذَلِك شَيْخه ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه.
وَفِي أَفْرَاد مُسلم مثل هَذَا من حَدِيث جَابر رَفعه «الِاسْتِجْمَار تو، وَرمي الْجمار تو، وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة تو، وَالطّواف تو؛ وَإِذا استجمر أحدكُم فليستجمر بتو». يَعْنِي: الْوتر، زَاد البرقاني: «والكحل تو» يَعْنِي: ثَلَاثًا ثَلَاثًا.

.الحديث الخَامِس وَالْعشْرُونَ:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «فليستنج بِثَلَاثَة أَحْجَار يقبل بِوَاحِد وَيُدبر بِوَاحِد ويحلق بالثالث».
هَذَا الحَدِيث ذكره الإِمَام الرَّافِعِيّ تبعا للغزالي فِي وسيطه وَهُوَ تبع الإِمَام إِذْ قَالَ: إِن الصيدلاني ذكره، وَلَا أعلم من خرجه من أَصْحَاب الْكتب الْمُعْتَمدَة وَلَا غَيرهَا. وَذكره الشَّيْخ زكي الدَّين فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب وَلم يعزه، وَقَالَ: لم يذكرهُ الْحَازِمِي. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين ابْن الصّلاح: هَذَا الحَدِيث لَا يُعرف، وَلَا يثبت فِي كتب الحَدِيث.
وَقَالَ الشَّيْخ تَاج الدَّين ابْن الفركاح فِي الإقليد: لَا أصل لَهُ، وَلَا يُعرف فِي كتب الحَدِيث. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: هَذَا الحَدِيث ضَعِيف لَا أصل لَهُ. قَالَ: وينكر عَلَى صَاحب الْمُهَذّب حَيْثُ قَالَ: لقَوْله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعبر عَنهُ بِصِيغَة الْجَزْم مَعَ أَنه حَدِيث مُنكر. وَقَالَ فِي الْخُلَاصَة: إِنَّه حَدِيث ضَعِيف لَا يُعرف. وَقَالَ الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب والشَّرْح الصَّغِير أَيْضا: هَذَا الحَدِيث ثَابت. وَهُوَ عجب مِنْهُ كَيفَ يُطلق هَذِه الْعبارَة فِي حَدِيث لَا يعرف؟! وَقد سبق بالإنكار عَلَيْهِ النَّوَوِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- فَقَالَ فِي شرح الْمُهَذّب: هَذَا غلط من الرَّافِعِيّ. قَالَ: وَقَوله: «يُحلِّق»- بِضَم الْيَاء وَكسر اللَّام الْمُشَدّدَة- أَي: يديره كالحلقة. قَالَ ابْن الرّفْعَة فِي الْمطلب عقب مقَالَة الرَّافِعِيّ الْمَذْكُورَة: النَّوَوِيّ أقعد مِنْهُ بِالْحَدِيثِ. وَكَأن ابْن الرّفْعَة لم يرَى كَلَام الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي شرح الْمسند وَلَا كَلَامه فِي أَمَالِيهِ الشارحة لمفردات الْفَاتِحَة فَمن رَأَى كَلَامه فيهمَا توقف فِي هَذِه القولة توقفًا قويًّا، وَمَشى الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي كِتَابه عَلَى عَادَة الْفُقَهَاء فِي إِيرَاد الْأَحَادِيث دون عزوها ولَا يُوجب فِيهِ هَذِه القولة. وَاعْلَم أَن الإِمَام الرَّافِعِيّ اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث عَلَى أصح الْأَوْجه فِي كَيْفيَّة الِاسْتِنْجَاء، وَفِيه وَقْفَة؛ لِأَن من تتمته أَنه يمسح بالثالث الصفحتين والمسربة وَقَوله: «ويحلق بالثالث» قد يكون المُرَاد بِهِ حَلقَة الدبر فَقَط، وَهِي المسربة كَمَا حَكَاهُ صَاحب الْمُهَذّب. وَأما الْمَاوَرْدِيّ فَإِنَّهُ اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث للْوَجْه الثَّانِي، وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق: أَن حجرا للصفحة الْيُمْنَى وحجرًا للصفحة الْيُسْرَى وحجرًا للوسط. فقد وَقع نزاع فِي مَعْنَى الحَدِيث عَلَى تَقْدِير مَعْرفَته.

.الحديث السَّادِس وَالْعشْرُونَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «حجرا للصفحة الْيُمْنَى، وحجرًا للصفحة الْيُسْرَى، وحجرًا للوسط».
هَذَا الحَدِيث حسن، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنَيْهِمَا والْعقيلِيّ فِي الضُّعَفَاء من رِوَايَة أُبي بن الْعَبَّاس بن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ، عَن أَبِيه، عَن جده رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «سُئِلَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الاستطابة فَقَالَ: أَو لَا يجد أحدكُم ثَلَاثَة أَحْجَار حجرين للصفحتين وحجرًا للمسربة؟».
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده حسن. وَقَالَ الْحَازِمِي: لَا يرْوَى عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب والشَّرْح الصَّغِير: إِنَّه حَدِيث ثَابت. وَخَالف الْعقيلِيّ؛ فَقَالَ: رَوَى الِاسْتِنْجَاء بِثَلَاثَة أَحْجَار عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم جمَاعَة: مِنْهُم: أَبُو هُرَيْرَة، وسلمان، وَخُزَيْمَة بن ثَابت، وَعَائِشَة، والسائب بن خَلاد الْجُهَنِيّ، وَأَبُو أَيُّوب، لم يَأْتِ أحد مِنْهُم بِهَذَا، ولأُبي أَحَادِيث لَا يُتَابع مِنْهَا عَلَى شَيْء، قَالَ يَحْيَى بن معِين: هُوَ ضَعِيف.
قلت: وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: هُوَ مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ والدولابي: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. قَالَ الْحَافِظ شمس الدَّين الذَّهَبِيّ فِي كِتَابه الْمِيزَان: وأُبي هَذَا وَإِن لم يكن بالثبت فَهُوَ حسن بِالْحَدِيثِ.
وَاعْلَم أَنه وَقع فِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ «أَولا يجد أحدكُم حجرين وحجرًا» بِالنّصب كَمَا قدمْنَاهُ وَوَقع فِي الْمُهَذّب للشَّيْخ أبي إِسْحَاق «حجران وَحجر» بِالرَّفْع. قَالَ النَّوَوِيّ فِي شَرحه لَهُ: وَكِلَاهُمَا صَحِيح وَالْأول عَلَى الْبَدَل من ثَلَاثَة، وَالثَّانِي عَلَى الِابْتِدَاء.
قلت: وَقد رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ مرّة أَيْضا كَمَا ذكره الشَّيْخ وَهَذَا لَفظه «حجران للصفحتين وَحجر للمسربة». وَقَالَ فِي الأول: كَذَا قَالَ فِي كِتَابه. رَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي تَارِيخ الضُّعَفَاء أَيْضا كَمَا أوردهُ الشَّيْخ فِي الْمُهَذّب وَهَذَا لَفظه «أَولا يَكْتَفِي أحدكُم بِثَلَاثَة أَحْجَار حجران للصفحتين وَحجر للمسربة» وَقد جَاءَ الْقُرْآن أَيْضا بِالْوَجْهَيْنِ فالبدل فِي مَوَاضِع كَثِيرَة، كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِن هَذَا لفي الصُّحُف الأولَى صحف إِبْرَاهِيم ومُوسَى} والابتداء فِي قَوْله تَعَالَى: {قد كَانَ لكم آيَة فِي فئتين التقتا فِئَة تقَاتل}.
والمسربة هُنَا: مجْرى الْغَائِط وَهُوَ مَأْخُوذ من سرب المَاء، قَالَه ابْن الْأَثِير وَالْمَاوَرْدِيّ وَغَيرهمَا قَالَ ابْن الْأَثِير: وَهُوَ بِضَم الرَّاء وَفتحهَا.
تَنْبِيه: هَذَا الحَدِيث احْتج بِهِ الإِمَام الرَّافِعِيّ؛ لقَوْل أبي إِسْحَاق: «أَن حجرا للصفحة الْيُمْنَى، وحجرًا لليسرى، وحجرًا للوسط» وَالْمَاوَرْدِيّ من أَصْحَابنَا احْتج بِهِ للراجح، وَهُوَ الْوَجْه الأول الَّذِي احْتج لَهُ الرَّافِعِيّ بِالْحَدِيثِ الَّذِي قبل هَذَا، وَكِلَاهُمَا مُحْتَمل؛ فَإِنَّهُ لما قَالَ: حجران للصفحتين. احْتمل أَن يكون الْمَعْنى حجرا للصفحة وحجرًا لِلْأُخْرَى، وَاحْتمل أَن يكون الْمَعْنى كل وَاحِد مِنْهُمَا للصفحتين. وَابْن الصّلاح وَافق المارودي حَيْثُ قَالَ فِي مُشكل الْوَسِيط: قَوْله: حجران للصفحتين. مَعْنَاهُ: كل وَاحِد مِنْهُمَا للصفحتين.

.الحديث السَّابِع وَالْعشْرُونَ:

عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «كَانَت يَد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْيُمْنَى لطهوره وَطَعَامه، وَكَانَت الْيُسْرَى لخلائه وَمَا كَانَ من أَذَى».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده وَأَبُو دَاوُد فِي سنَنه من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن يزِيد النَّخعِيّ، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور ورَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِلَفْظ: «كَانَ يفرغ يَمِينه لطعامه وَحَاجته، ويفرغ شِمَاله للاستنجاء وَمَا هُنَالك».
قَالَ الدوري: قَالَ ابْن معِين: لم يسمع إِبْرَاهِيم من عَائِشَة، ومراسيله صَحِيحَة إِلَّا حَدِيث «تَاجر الْبَحْرين».
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي مراسيله: ثَنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْبَراء قَالَ: قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ لم يلق أحدا من أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. قلت لَهُ: فعائشة؟ قَالَ: هَذَا لم يروه غير سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن أبي معشر، عَن إِبْرَاهِيم، وَهُوَ ضَعِيف.
قَالَ ابْن أبي حَاتِم: وَقُرِئَ عَلَى الْعَبَّاس بن مُحَمَّد الدوري، قَالَ: سَمِعت يَحْيَى بن معِين يَقُول: إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أُدخل عَلَى عَائِشَة- أَظن يَحْيَى قَالَ وَهُوَ صبي- قَالَ ابْن أبي حَاتِم: وَسمعت أبي يَقُول: لم يلق إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أحدا من أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا عَائِشَة، وَلم يسمع مِنْهَا شَيْئا؛ فَإِنَّهُ دخل عَلَيْهَا وَهُوَ صَغِير. وَكَذَا نَص غير وَاحِد من الْحفاظ عَلَى انْقِطَاع هَذَا الحَدِيث، مِنْهُم: الْحَازِمِي، وَالشَّيْخ زكي الدَّين وَالنَّوَوِيّ فِي كَلَامه عَلَى أبي دَاوُد، وَإِن كَانَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب لم يذكرهُ؛ بل قَالَ: رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح. وَلما أخرج أَبُو دَاوُد هَذَا الحَدِيث قَالَ: ثَنَا مُحَمَّد بن حَاتِم بن بزيع، نَا عبد الْوَهَّاب بن عَطاء، عَن سعيد، عَن أبي معشر، عَن إِبْرَاهِيم، عَن الْأسود، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَعْنَاهُ.
فاتصل الحَدِيث من هَذَا الْوَجْه وَظهر الْوَاسِطَة بَين إِبْرَاهِيم وَعَائِشَة، وَقَالَ الْحَازِمِي: هَذَا حَدِيث مُتَّصِل عَلَى شَرط أبي دَاوُد، حسن من هَذَا الْوَجْه.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي اللبَاس من حَدِيث مَسْرُوق، عَن عَائِشَة، وَمن هَذِه الطَّرِيقَة أخرجه الشَّيْخَانِ وَبَاقِي السّنَن، وَقد تقدم فِي بَاب الْوضُوء، وَهُوَ الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ مِنْهُ وَمِمَّا يعضد حَدِيث عَائِشَة الَّذِي فِيهِ الِانْقِطَاع حَدِيث حَفْصَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَجْعَل يَمِينه لطعامه وَشَرَابه وثيابه، وَيجْعَل شِمَاله لما سُوَى ذَلِك».
أخرجه أَحْمد وَأَبُو دَاوُد، وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم.